أحمد من متلازمة داون يرسم طريقا يمكنه من عبور الحياة بجدارته

10

رقمنة

الغد – ربى الرياحي

 في أجواء من الحب والألفة والاحتواء، كبر الشاب أحمد سامي عثمان ابن الـ23 عاما، فقد كان محظوظا بانتمائه لعائلة أحبته بكل قوتها وعرفت كيف تحتضنه وتمده بالحنان والأمل.
أحمد تقوى بمن حوله وصمم على أن يكون شخصا ناجحا واثشقا من نفسه، وأيضا أبى إلا أن يبرهن على قدرته وتفانيه في مجال العمل، هو لم يرض أن يكون أقل من غيره بل حصن نفسه بمحبة المحيطين به، وقرر أن يدافع عن حقه ويكون إنسانا منتجا في مجتمعه نموذجا للتميز والعطاء، وذلك من خلال حصوله على فرصة عمل في أحد مطاعم الوجبات السريعة.
أحمد من متلازمة داون، لكنه رفض أن يتكل على عائلته ويكون عبئا عليها، لذا استطاع أن يرسم طريقا مستقلا له يمكنه من عبور الحياة بجدارته متكئا على طموحه وإرادته ومتحللا من شفقة البعض وتنمرهم.
تقول والدة أحمد، أسماء نفاع “في بادئ الأمر لم يكن الموضوع سهلا علينا جميعا، وخاصة في ذلك الوقت حينما كان الإنكار والخجل والوصمة الاجتماعية هي المشاعر المتسيدة لدى البعض لوجود هذه الفئة وترفض حتى الاعتراف بها. لكن الإيمان والحب والاهتمام هي ركائز مهمة استندوا إليها كعائلة في تربيتهم لابنهم”.
ورغم أن الحياة لا تخلو من المصاعب والعقبات، إلا أن أحمد تمكن من أن يعيش مستقرا آمنا وسط أناس تقبلوه وأعطوه بصدق من أرواحهم ومشاعرهم تعملوا معه كإنسان من حقه أن يحترم ويقدر وتؤمن له احتياجاته الأساسية. هم زرعوا في هذا الابن بذور المحبة والخير والثقة فاستحقوا ما حصدوا. فأحمد بفضل الله ثم فضلهم استطاع أن يتجاوز أصعب المراحل ويتخطى الكثير من الأزمات.
الاهتمام والحماية وإمداده بالقوة كلها أسباب جعلت من أحمد شخصا محبا للعطاء حنونا، وأيضا هو ذكي يميز جيدا من يحبه بصدق ومن يستغله أو يستخف به.
وتبين الأم أن ما ساعد أحمد وقواه ودعمه هو تقبلهم الكبير له ووعيهم بحاجته لعناية أكبر بحكم أنه، من وجهة نظر المجتمع، شخص مختلف لديه تحديات خاصة.
تقول “بعدنا عن العاصمة عمان ووجودنا في محافظة إربد سببان زادا من صعوبة وصول أحمد لمستوى معين من التعليم، هو ورغم تسجيله في أكثر من مركز خاص لمعالجة النطق لديه إلا أنه لم يستفد من ذلك كله كما يجب”.
وتتابع الأم “قلة الأنشطة الترفيهية المقامة في المحافظات ومحدودية الخدمات المقدمة لهذه الفئة هناك تؤثر بشكل كبير على تقدم هؤلاء الأبناء”. فابنها واحد من أشخاص كثر واجه مشكلة حقيقية في تنمية مواهبه وصقلها، تعلم الموسيقا وكرة القدم والتمثيل والتصوير هي أحلام بالنسبة لأحمد لم يشأ لها القدر أن تتحقق بل بقيت حبيسة العراقيل. أما عن نظرات البعض المستهجنة فلم تكن تزيدهم كأسرة إلا صلابة وثباتا، تلك النظرات القاسية لم ترغمهم على إنكار ابنهم وإبعاده عن الحياة.
هم بصبرهم وحكمتهم كانوا سندا حقيقيا له وكلما كان يكبر كان دعمهم له يتضاعف أكثر فأكثر.
حب عائلته الكبير عزز فيه الثقة، أحمد استطاع أن يكون سويا معافى على الصعيد النفسي والشخصي والاجتماعي، والفضل كله يرجع إلى الله أولا ولأسرة محبة آمنت به ومنحته كل الإمكانات ليخرج للعالم قويا قادرا على التحدي والمثابرة لا يخشى أبدا المواجهة.
مشاعر التقبل والاحتضان كان لها كبير الأثر في بناء شخصيته، فهو لم يشعر يوما بأنه مرفوض، وذلك لأنه يعيش في بيئة سوية تقدره وتثق به حريصة على دعمه دائما.
وعن عمله في مطعم “fire fly”، تقول الأم “إن دخول أحمد لسوق العمل كان بمساعدة جمعية سنا، فلولاها ولولا وجود أرباب العمل المتعاونين لما استطاع ابنها أن يأخذ حقه ويحصل على وظيفة تناسبه وتمكنه من أن يكون شخصا منتجا في المجتمع وله مصدر رزق يعيش منه”.
وتنوه إلى أن من حق هذه الفئة أن تصان كرامتها ويسمح لها بالاندماج اجتماعيا ومهنيا كغيرها، وهذا حتما يتطلب من الجميع التعاون والاهتمام وأن يكونوا على قدر كبير من الوعي والتقبل لهؤلاء الأفراد حتى ينجحوا في تحقيق ذواتهم والوصول إلى حياة أكثر استقلالية ومساواة.
وتثني الأم على الجهود الجبارة التي تبذلها جمعية “سنا” في تشغيل أبنائهم وتأمينهم ماديا ونفسيا، وهذه الجهود لا تقتصر فقط على الأشخاص الذين يسكنون العاصمة بل تشمل أيضا المحافظات على امتدادها.
وهنا لا يسعها كأم إلا أن تقدم الشكر الموصول للجمعية، مؤكدة متابعتها الدائمة لكل من يعملون عن طريقها وحرصها على حمايتهم وتوفير البيئة الحاضنة لهم والداعمة لقدراتهم.
وكذلك تدين بالشكر لإدارة المطعم والعاملين فيه لأنهم جميعا كانوا سندا لابنها، حموه وعلموه على مدار ثلاث سنوات تقريبا، وما يزالون حتى اليوم داعما مهما له، ولديهم الخبرة والقدرة الكافية ليتفهموه، وهو بالمقابل قادر على أن يثبت نفسه، ويبرهن على جدارته يوما بعد آخر.

التعليقات مغلقة.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد