مقالات

الخبير في مجال الأعمال الالكترونية أحمد غندور يكتب لـ ” رقمنة ”: فرص العمل في الاقتصاد الرقمي ….. من المنصات إلى المهارات الذكية

رقمنة 

*الاستاذ الدكتور أحمد غندور

في المقال السابق، رقم 11، بدأنا أولى خطوات مرحلة التمكين الإنتاجي، حين انتقلنا من الحديث عن الجاهزية الرقمية إلى إنتاج القيمة الرقمية. تحدثنا عن المواطن الذي لم يعد مجرد مستخدم واعٍ للتكنولوجيا، بل أصبح قادرًا على تحويل مهاراته إلى فرص اقتصادية حقيقية. اليوم، في هذا المقال الثاني من المرحلة نفسها، نفتح بابًا جديدًا من هذا المسار — باب العمل في الاقتصاد الرقمي، حيث تتحول المعرفة إلى مهنة، والمهارة إلى مصدر دخل، والوعي إلى إنتاج.

الرخصة الدولية للقيادة الرقمية (IDDL) تمثل الإطار الذي يربط بين ما أنجزناه في مرحلة التهيئة الرقمية وما نبدأه اليوم في التمكين الإنتاجي. فهي لا تكتفي بتعليم الاستخدام، بل تؤسس لمواطنة رقمية فاعلة تُمكّن الأفراد من دخول سوق العمل الرقمي بثقة وكفاءة.

في العالم الجديد، لم تعد الوظيفة تعني مكانًا ثابتًا أو مكتبًا تقليديًا.
العمل أصبح منصة — مساحة افتراضية تجمع الكفاءات من أنحاء العالم.
منصات مثل Upwork، Fiverr، Freelancer، وToptal أصبحت أسواقًا مفتوحة للمهارات، بينما بدأت مبادرات عربية وأردنية بالظهور لتبني بيئة رقمية تناسب واقعنا المحلي وتفتح آفاقًا جديدة للشباب.

لكن الدخول إلى هذه البيئة لا يكفيه الطموح، بل يحتاج إلى مجموعة من المهارات الجديدة التي تمثل جوهر محو الأمية الإنتاجية في الاقتصاد الرقمي.

أولها مهارات الذكاء الاصطناعي التطبيقي.
لم يعد الذكاء الاصطناعي مجرد أداة دعم، بل أصبح شريكًا في العمل.
من يعرف كيف يصمم وكيلًا ذكيًا (AI Agent)، أو يبني محادثة آلية (Chatbot)، أو يستخدم أدوات مثل ChatGPT Teams وMicrosoft Copilot لإدارة المشاريع وصنع المحتوى، يمتلك اليوم مفاتيح مهن المستقبل. هذه الأدوات ترفع الكفاءة، وتختصر الوقت، وتخلق وظائف جديدة بالكامل.

ثانيها الوعي السيبراني المتقدم.
في بيئة العمل الرقمي، الأمن لم يعد خطوة لاحقة، بل جزء من عملية الإنتاج نفسها.
المهارة هنا تشمل حماية البيانات أثناء التعاون عبر السحابة، إدارة الهوية المهنية، وتأمين المحافظ الرقمية.
فمن لا يحمي بياناته، يفقد رأسماله الحقيقي في الاقتصاد الجديد — ثقته وسمعته الرقمية.

ثالثها القدرة على العمل ضمن بيئة VIBE، أي بيئة عمل افتراضية، ذكية، بلا حدود، قائمة على التمكين.
في هذا النموذج، لا تعني المسافة شيئًا.
العامل الرقمي ينتج من أي مكان، في أي وقت، ضمن بيئة مرنة ومتصلة، حيث الذكاء الاصطناعي يضاعف إمكاناته لا يحلّ محله.

رابعها المهارات الاقتصادية والإدارية.
العمل عبر المنصات ليس وظيفة بل مشروع مستقل.
على العامل الرقمي أن يتقن تسعير خدماته، وإدارة دخله، وفهم العقود الرقمية، والتعامل مع العملات الإلكترونية والضرائب الرقمية.
هي مهارات جديدة تشكل جزءًا من الأمية الإنتاجية التي يجب محوها لبناء كفاءات اقتصادية حقيقية.

وخامسها الإبداع والابتكار الرقمي.
القيمة الحقيقية لا تأتي من النسخ، بل من القدرة على توليد الجديد.
منشئو المحتوى، مطورو التطبيقات، ومصممو الحلول الرقمية هم صناع القيمة الجديدة في الاقتصاد القائم على المعرفة والذكاء الاصطناعي.

لكن تحقيق هذا التحول لا يعتمد على الأفراد وحدهم.
المنظومة بأكملها يجب أن تتغيّر.
المدارس والجامعات مطالبة بتضمين مشاريع رقمية تطبيقية في مناهجها.
برامج التعليم يجب أن تتبنى الشهادات المصغّرة (Micro-Credentials)، والتدريب القائم على المشاريع (Project-Based Learning)، وملفات الإنجاز الرقمية (E-Portfolios) التي تترجم المهارة إلى إنجاز ملموس.
وفي المقابل، على الدولة أن تبني بيئة قانونية وتنظيمية تحمي العاملين عبر المنصات وتضمن لهم الاعتراف الرسمي كجزء من الاقتصاد الوطني.

إن العمل في الاقتصاد الرقمي لا يعني فقط الحصول على دخل، بل يعني المشاركة في بناء اقتصاد جديد يعتمد على المعرفة والإبداع، لا على الموارد المادية.
التحول من الجاهزية الرقمية إلى الإنتاج الرقمي هو جوهر المرحلة الثانية من السلسلة — مرحلة التمكين الإنتاجي — التي تسعى إلى جعل المواطن جزءًا من دورة القيمة الرقمية لا متلقيًا لها.

وفي المقال القادم، رقم 13، سنواصل هذا المسار لنناقش المحتوى الرقمي المحلي: لماذا لا ننتج؟ ومن يملك السوق؟، لنتناول معًا قضية مركزية في التحول الرقمي العربي — كيف نبني محتوى رقميًا يعكس لغتنا وثقافتنا وهويتنا في عالم يزداد عولمة واتصالًا.

*الخبير في مجال الاعمال الالكترونية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى